التيه
أكتب إليكِ الرسالة العاشرة بعد المائة والتي ستلحق بالرسائل السابقة التي لا أملك من الشجاعة كي أرسلها إليكِ.
العالم يزداد سوءاً، لقد اعتدت أن أرى مشاهد القتل عبر الانترنت و اعتادت عيناي على لون الدماء، لقد غير العالم في الكثير من الأشياء وأصبحت متبلد المشاعر لا أجيد التفرقة بين ما يفرحني وما يحزنني.
أتتذكرين حين أخبرتك أنني لا أعرف إجابات الأسئلة التقليدية مثل، ما لونك المفضل؟ وما هي وجبتك المفضلة؟، لقد أدركت مؤخراً أن الأمر لا يتعلق فقط بعدم معرفتي بتلك الإجابات وإنما هو أعمق بكثير من هذا، أنا غير قادر على معرفة من أكون، أنا أشبه كثيراً بهذا الصلصال الذي يتشكل بأشكال مختلفة ليس كتلون المدعين وإنما كتيه من ضلوا الطريق ولا يعرفون إلى أين ستأخذهم أقدامهم، يبدوا أنني اعتدت على فكرة أنني لا أملك خيارات وأنني مجبر على فعل ما يُمليه علي هذا العالم.
إن الأشياء الجميلة التي أتخيلها أصبحت تتعفن في مخيلتي قبل أن أراها تتحقق في الواقع، وأخشى كثيراً أن تتعفن كذلك أحلامي التي لا أصبحت أملك منها الكثير، لقد بدأت مؤخراً بتدريب نفسي على رؤية الجمال في كل ما هو قبيح؛ أعلم كثيراً أنها مرحلة بائسة لم أكن أتخيل أنني سأصل إليها ولكن مع الأسف هذا ما حدث، لقد أصبحت أتعامل مع كل شئ قبيح على أنه منتهى الجمال.
منذ بضعة أيام قد حدثني أحدهم عن قصة بني إسرائيل كما ذكرت في القرآن وقال دون أن يهتم بما يلفظ لسانه “أنهم قد حكم عليهم بالتيه"، لقد انزعجت كثيراً وشعرت لوهلة أنني قد حكم علي بمثل هذا التيه، فقدامي تسير بلا وجهة وكأنني محكوم علي بالسير نحو اللاشئ، حين أجلس مع الكثير من الأشخاص وارتكب الخطأ الذي اكرره دائماً وهو الحديث عن ما يدور في رأسي؛ أكتشف أنه كان من الأفضل أن لا أتكلم.
سأخبرك لاحقاً كيف يحاول الجميع أن يضمني إلى حظيرته لأنه يشعر بشيئاً من الغرابة بسبب أفكاري ولا يستشعر تلك الغرابة من أفعاله مطلقاً، لقد أدركت أنه لا يوجد أكثر مرارة من أن تنتمي إلى عالم لا ينتمي إليك.
في النهاية يؤسفني أن أخبرك أن المشاعر قد شاخت بداخلي قبل أن تنبت.
نوفمبر ٢٠١٩