حرية
لقد فُطرنا على الحرية المطلقة بلا أي قيود كما فُطرنا على الاكتشاف، فهذا الصغير بالنسبة له النار والثلج سواء؛ تمتد يداه الصغيرتان الجميلتان لتلمس كلاً منهم ومن ثم يدرك ما يمكن أن يؤذيه وما سيحرص على أن يلهو به عندما يشعر بشيئاً من الحزن.
يرتكب الأهل جريمة بشعة كونهم أول من يطعنون في تلك الحرية في محاولة منهم لتشكيل هذا الطفل وكأنه صلصال، الأطفال ليسوا كائنات بلا عقل ولكنهم كائنات منطقيون وبشدة، يريدون تبريرات لتلك الأشياء اللعينة التي يُمليها عليهم الكبار، أظن أن الأوامر على شاكلة “كل.. نام.. ذاكر.. توقف…” وقائمة طويلة من الأوامر هي بحاجة للتبرير، فمن المنطقي أن يشعر الصغار أنهم بحاجة لتلك الأشياء كي يقوموا بفعلها.
منذ أن وجدت في هذا العالم وأنا أشعر أنني مجبر على ان أكون جملة في صفحة من كتاب ممل اعتاد الناس على رؤية غلافه ولا أحد يلتفت لما يحويه، أشعر أنني محاط بالكثير من القيود التي لا أهمية لها، اُريد أن أكون هذا الأصم الذي لا يسمع ما يقال له من أحاديث تحاول أن تمنعه من كافة ما يريد فعله وأن أستمتع بهذا الطنين ولا ألتفت لما يقال، اُريد أن أكون هذا الكفيف الذي لا يرى تلك اللوحات اللعينة المكتوب عليها “ممنوع المرور.. ممنوع الإنتظار.. غير مسموح بالسير"، لقد بدأت مؤخراً أكره تلك العلامات وأتمنى لو كان بإمكاني أن اسحقها.
هل يمكن للعالم أن يتوقف عن رسم مساراً لي وكأنه الأكثر حرصاً على مصلحتي؟، هل يمكن أن نتوقف عن لفظ كلمة "المفروض” وتتحول إلى كلمة “من وجهة نظري"؟، هل يمكن أن يكون هناك متسعاً للخروج عن تلك المسارات التي يحاول الأهل والمجتمع والأنظمة أن يرسموها للصغار؟
أظن أنه لو كان بإمكاننا رؤية هذا العالم من نافذة في السماء أو من أرحام أمهاتنا لما جئنا لكل هذا العبث.
ديسمبر ۲۰۱٨