تواصل
لقد قررت في ذلك اليوم أن أبتعد عن سيارات الشركات الخاصة التي ربما يحرص قائديها على التخفي خلف الرسمية والاحترافية من أجل التقييم المتبادل في نهاية الرحلة، قررت في ذلك اليوم أن استقل تاكسي أجرة على أمل أن يفتعل أحدهم معي حديثاً حتى وإن كان عابراً؛ ربما يحدثني عن زحمة الطريق أو سوء المعيشة، مجرد حكايات تتسم بالشكوى أحياناً والبطولة الوهمية أحياناً أخرى والمتعة في كثير من الأحيان؛ حكايات تزيل عنا وحشة الصمت وتبعد أعيننا عن التيه في غيابات عقلنا المزدحم، ولكن ظل سائق الأجرة صامتاً حتى تشككت كثيراً في أنني قد يبدوا علي عدم الاستعداد لتقبل حديثه أو أنه يعرفني جيداً ويدرك أنني لا أتحدث كثيراً.
كنت أتمنى لو كان بمقدوري الحديث عما بداخلي، أن لا تتوارى الكلمات خلف لساني، أن أمتلك من الشجاعة كي أبوح عن كل شىء على أمل أن تسكن كلماتي قلب أحدهم ومن ثم تسلك طريقها نحو عقله، لا أعرف لماذا أصبحنا هكذا كالغرباء نستلذ وحشة الطريق ونسير فيه وحيدين، لا نجيد اختيار كلماتنا دائماً وتختبىء الكراهية خلف ابتسامتنا.
إنني أؤمن أحياناً بالمعجزات ولكنني لا أؤمن أنها تحدث في حياة من هم أمثالي؛ لذلك أشعر أن الأمل قد بات وهماً وفات أوان أن تتبدل تلك الكراهية بالحب وأظن أن من السذاجة أن أعيش هذا الوهم.
أشعر في بعض الأحيان أن الحكايات ستندثر وستبقى فقط كلمات مبعثرة لا تعطي معناً واضحاً ولا تشبع سامعيها بأية مشاعر، مجرد سؤال وجواب فقط كي نبقى على تواصل حتى وإن كان بلا معنى، ثم ينتهي حديثنا بوعد مزيف حول التطلع للمقابلة قريباً.
مارس ٢٠٢٢