عالم

..إلى العالم الهش
كم مقدار الجمال الذي سحقته أنا وأنت في هذا العالم خلال الأعوام المنصرمة؟ أظن أنه كثير لدرجة أننا لن نتمكن من معرفة مقداره، لقد قرر العالم -أعني كل شئ فيما عدا البشر- أن يذكرنا أنه ليس الطرف الأضعف على وجه تلك الأرض، وأن هذا الإنسان الذي وجد حديثاً على هذه الأرض عليه أن يدرك أنها لم تخلق له ولكنه عنصراً كبقية من فيها؛ ومن السهل أن يجتمع البقية من أجل قتله كي ينقذون كوكبهم من منظور أسبقية الوجود.
منذ عدة أيام في يوم لا أتذكر اسمه بسبب تتابع الأيام وتشابهها كانت كلاب المنطقة تعوي كعادتها لتعلن فرض سيطرتها على الشارع وتخوض معاركها مع كلاب المناطق المجاورة، في تلك المرة لم يكن بمقدرة أحدنا أن يعركل مزاج هؤلاء الكلاب بسبب سيره في الشارع؛ في تلك اللحظات كانوا وحدهم من يقدرون على التواجد في الشارع والجري بين الأزقة معلنين أن هذا العالم قد أصبح ملكاً لهم بعدما كان البشر يستمتعون في قتل رفقاء تلك الكلاب بطرق شتى وبلا سبب.

على مدار تلك الأعوام المنصرمة كان شعورنا بإمتلاك هذا العالم يزداد يوماً بعد يوم، كنا نظن أننا سننتصر حتماً على تلك الطبيعة وأن تلك القوى تزاد يوماً بعد يوم، أما في تلك اللحظة أصبحنا جميعاً في كل بقاع هذا العالم مهما اختلفت أفكارنا وقدرتنا المالية في صندوق واحد محاصرون لا نعرف من منا سيقتل الأخر، وكأننا في حرب لأول مرة لا يتبادل أطرفها القتال، أظن أننا كنا بحاجة لتلك الصدمة الحالية كي ندرك حقيقة ضعفنا وأن تلك القوة ما هي إلا إدعاء كاذب كبقية ما ندعيه.

ترى هل سننظر من شرفتنا يوماً لنجد العالم خالي من المارة؟ أنا لا أظن ذلك فتلك البشرية لا يزعجها عداد الموتى مهما بلغ، إذا كنت تعتنق الإسلام فبالتأكيد تعرف أن أولى المشاهد في هذه الأرض هو مشهد قتل، وإذا كنت لا تعتنقه فربما مر على أذنيك حصيلة قتلى اليوم نتيجة الحروب ونتيجة حوادث الطرق ونتيجة الإهمال، القتل هو صفة لصيقة بنا لذلك سيقنعنا قادة العالم بعد عدة أيام أن علينا العودة للعمل من أجل بقاء كوكبنا والذي ينزعج كثيراً لإنخفاض أرقام بورصته ولا يزعجه ارتفاع اعداد قتلاه.

في النهاية علينا الآن أن نترك مسافة اجتماعية بيننا وبين الأخرين كي نحافظ على أنفسنا وعلى الأخرين وهذا بالفعل شئ مهماً يجب أن نحرص عليه؛ ولكن ترى هل كنا حقاً قريبين لتلك الدرجة التي تجعلنا الآن نسعى للبعد؟ يا عزيزي نحن أبعد ما يكون عن بعضنا البعض منذ عدة أعوام وبعيدين لأقصى درجة عن كل الكائنات التي تشاركنا الحياة على وجه تلك الأرض ونعاملهم معاملة صاحب اليد العليا؛ لذا لاتظن أن بعد زوال تلك الغمة أننا سنعانق بعضنا البعض ونتوقف عن القتال ولكننا سنزداد وحشية كعادتنا.

دمتم سالمين.


أبريل ۲۰۲۰
Back to Top