غيب
كنت أتمنى همساً بيني وبين نفسي لو أنني علمت شيئاً من الغيب لعلي أستطيع به إماطة الأذى عن روحي من تلك الانتكاسات التي تمر بلا توقف؛ أو أن أمتلك من الحكمة ما يكفي ليمحق حماقتي؛ أو أن أمتلك فسحة من الوقت لكي أحتضن أحدهم قبل رحيله للمنفى مغترباً غريباً أو نحو الموت فجأة دون أن ينبهني برحيله؛ كنت أتمنى لو علمت شيئاً من الغيب كي لا أغضب أو أكفر بالهزائم؛ كنت أتمنى... في الحقيقة إنني لا أفعل شيئاً سوى أنني أتمنى وكأنني مكتوف الأيدي وأصبحت مثل كهلاً فقد ما لديه من قوة وفقد جميع من كانوا حوله وقت أن كان قوياً حتى صار اليوم ضعيفاً ولم يبقى له سوى طيفاً من الحكمة وكثيراً من النسيان.
الحياة لا تنصف سوى الحمقى وتدهس الحالمين تحت عربات الظروف ربما لأنها لا تعترف بالأحلام ولكنها تعترف بالسعي؛ ولكن ربما أيضاً لأنها لا تقييم الأرواح لتدرك من الأكثر نقاءً ومن الأكثر سواً؛ حيث تهتم فقط ما يبديه أحدهم سواءً كان حقيقياً أو مدعياً، لايهم كثيراً صدق روحك وما تحويه بداخلك الأهم هو ما تبديه كذباً كي يطمئن قلب أحدهم لك أنك الأكثر مثالية.
ربما منع عنا الغيب كي نتقبل الهزائم وربما كي لا نغتر بالمعرفة على حساب بعضنا البعض كما نفعل رغم ما نمتلك من جهل وحماقة، وربما سنكون أقل إيماناً حين نعلم شيئاً من الغيب ولكن ربما نكون أكثر إيماناً بتحقق ما علمناه مسبقاً من الغيب، في الحقيقة الأمر معقد لدرجة أنك تشعر في منتصف التفكير فيه أنك قد نسيت منذ متى وأين بدأت.
أظن أننا نعلم الكثير عن الغيب والقدر من تلك الرسائل التي لا يفهمها سوى الأكثر تأملاً والأكثر بصيرة والأكثر حكمة؛ وهذا ليس فعلاً من أفعال الهذيان ولكن الأمر مرتبطاً بتلك العظات الخفية التي تأتي على هيئة ابتلاءات ونجاحات وأشخاص عابرة يأتون محملين بدرسٍ خفيٍ ثم يرحلون.
مايو ٢٠٢٣