الحقيقة

أظن أن احد أهم أسباب الصراعات يتمثل في الحقيقة والتي تعتبر المحرك الرئيسي لتلك الخلافات التي تبدأ من الأفراد إلى الدول، وفي واقع الأمر ان هذا الخلاف سيظل قائماً إلى أن ينتهي هذا العالم ويفصل بيننا حينها من أنشأه؛ سواءً أكان اللاشئ أو الطبيعة أو إله، ومن سيفصل بين تلك الحقائق هو في حد ذاته محل خلاف يعتقد الجميع امتلاك الحقيقة عنه.
بعد أن استلقيت ناظراً للسماء احاول ان اجداً تفسيراً لكل ما يحدث؛ أدركت انني احمل على عاتقي أمر هذا الكون برمته وكأنني من أوجدت فيه هؤلاء البشر الذين أفسدوه -هي الحقيقة التي أملكها أنا لأنه من الممكن أن تمتلك حقيقة أخرى تقول أن البشر لم يفسدوا هذا الكون- أظن أنني في تلك المرحلة من الزمن يجب أن ادرك أنني أضعف من مسايرة العالم؛ وأن هذا الطفل الذي بداخلي عليه ان يطفو على روحي قبل أن يغرقها هذا الكهل الذي بداخلي.
قراءة الجريدة وقراءة شريط الأخبار ثم لاحقاً تصفح مواقع التواصل الاجتماعي جعلني أشعر أنني اقحم مجبراً داخل حياة الأخرين ومصائبهم واتعاطف مع هذا حباً ومع هذا كراهية وكأنني في لحظة أقف في ساحة كبيرة تضم ملايين الأشخاص الذين يتحدثون ويصرخون جميعاً في نفسٍ واحدٍ وأنا أقف مجبوراً على سماعهم، هذا بالضبط ما أشعر به، لماذا أنفعل كثيراً تجاه بعض الأراء التي ربما يتكشف لي بعد سنوات بل أشهر أنها لم تكن حقيقة وأن تلك المشاعر التي اهدرتها أصبحت هي والعدم سواء.
اننا لا نحصد شيئاً من اختلافنا حول الحقيقة سوى زيادة الفجوة بيننا وبين من نحاول ان نقنعهم بحقيقتنا عن العالم، ولكن الأمر لم يبدأ منذ تلك اللحظة....
منذ عدة أعوام كنا أطفال وفي أيامنا الأولى لا نمتلك الرؤية الواضحة للأشياء من حولنا وربما تلك الأيام القليلة تعطي الأهل اعتقاداً يظل ممتداً حتى مماتهم أننا لا نجيد رؤية الأشياء من حولنا؛ لذلك يحرصون في البداية حباً ثم لاحقاً تملكً على أن نرى العالم بأعينهم هم كي نرى حقيقة الأشياء كما يروها، وهذا الشئ هو سبب كافة الصراعات التي تحدث حول العالم، الديكتاتور يعتقد طوال الوقت ان الحقيقة التي يمتلكها عن الحياة هي التي يجب ان يعترف بها ولا يخالفها الجميع ومن ثم يقرر نفي كل من يحاول امتلاك حقيقة أخرى، وهذا ما نمارسه طوال الوقت بين بعضنا البعض.
بعيداً عن تلك الشعارات التي يظن البعض انها من الحكمة مثل ان "لا حقيقة سوى الموت"، أظن ان كافة الأشياء حقيقة في عقل من يؤمن بها إلى أن يحين الوقت ليكفر بها؛ لذلك لا فائدة من كافة ما يحدث.
الحياة أبسط كثيراً من تلك الهموم التي نحملها على كتفينا وكأننا المسؤلون عن تلك السموات والأرض، ربما عليك فقط أن تحمل نفسك في البداية كي تستطيع لاحقاً أن تحمل من تحب، عليك أن تبعد عقلك عن خوض صراع لمحاولة تغيير حقائق الأخرين، عليك أن ترى كافة الأشياء حقيقة وترى كافتها زيف.
العالم أصبح مرهقاً والصراع أصبح ممتداً من بداية توصيف خالق الكون وتعريف الكون حتى الطريقة الصحيحة للمشي، لذا أتمنى أن نكتفي بهذا القدر أو يكتفي العالم بهذا.
يونيو۲۰۲۰
Back to Top