المثالية

تحياتي..
مع بداية وجودنا في هذه الحياة تبدأ فكرة المثالية بالتوغل في أذهان والدينا، حيث انهم يحاولون طوال الوقت الحصول على طفلاً مثالياَ حتى وان كان على حساب مشاعر هذا الطفل؛ فمثلاً من المميز أن تمتلك طفلاً لا يبكي، أو تمتلك طفلاً ليس لديه فضولاً لاكتشاف الأشياء من حوله، ولو كنت أكثر حظاً فربما تمتلك طفلاً مطيعاً لا يعير اهتماماً لعقله الذي يمتلكه.
فكرة الطفل الذي يرتكب اخطاءاً عادية هي فكرة غير مقبولة؛ لذا يحاول الأطفال مع مرور الوقت ونضوج عقولهم أن تتوارى جميع أفعالهم التي من الممكن ان يعتبرها الأهل اخطاءاً حتى وإن لم يكن هؤلاء الأطفال هم الطرف المخطئ فيها، وهي النقطة الأولى التي يفترق فيها الطفل عن ذويه بسبب الخوف من عواقب المصارحة والتي قد يتعلم الكذب من أجل الهروب منها، ومع ازدياد رغبة الأهل في المثالية وتحويل كافة الأخطاء البشرية العادية إلى مصائب كبرى، حيث يقع الأطفال تحت رهن الشعور بالذنب طوال الوقت لانهم يشعرون أنهم قد خرجوا عن المسار الصحيح.
في فترة من الفترات بعد تنفيذي لعدد من مشاريع الأفلام والمضي في رحلة التجربة والخطأ التي تعلمت وأتعلم من خلالها؛ وجدتني أسعى لتنفيذ مشاريع مثالية وهو ما عطلني كثيراً وجعلني بعيداً عن التعلم وبالتأكيد بعيداً عن الإنتاج، لقد أدركت حينها ان تلك المثالية التي يحاول الجميع ان يزرعها في ما هي إلا كذبة يمكنني ان اتغاضى عنها سريعاً كي لا افقد متعة التجربة، وأن اكون قادراً على تقبل كافة ما أقوم به لانه في النهاية سيكون درباً من دروب التعلم حتى وإن وصل إلى حد الخطأ.
مع كل حدث يثير اراء (سكان) مواقع التواصل الاجتماعي اكتشف أن جميع الأشخاص مثاليّن بشكلاً لا يمكن تصديقه، الأمر مثير للدهشة ويجعلك تفكر كثيراً إذا كان كل هؤلاء الأشخاص يتمتعون بذلك القدر من المثالية؛ إذاً من هؤلاء الذين يعيشون حولنا في الواقع؟ الغريب أن هؤلاء الأشخاص يصل بهم الأمر مع توالي الأحداث وسرعتها ان يقوموا بإدعاء المثالية في أشياءاً تتناقض كلياً مع بعضها البعض لان الأمر أصبح فقط يتعلق بكيفية ممارسة المثالية طوال الوقت لا شيئٌ اخر.
أننا قد توقنا منذ زمن بعيد عن رؤية ما بدخلنا وأصبحنا لا نرى سوى هؤلاء المخطئين الذين يعكرون صفو مثاليتنا، رجل الدين  المدعي يحاول طوال الوقت أن يزرع في عقولنا انه الشخص المثالي الذي يجب ان يحتذى به كممثلاً عن الإله في الأرض ومن ثم عليك ان تترك تلك الموبقات التي انت عليها كي تحذوا حذوه لربما يصيبك من طيف نوره شيئاً، رجل الثقافة المُدعاه يحقر دائماً من كل ما تمتلك من أفكار لأنك تجهل هذا التنوير الذي يحمله للعالم ع كتفيه بينما أنت لا تتمتع بذات القدر من التحرر الذي يمتلكه هو، الديكتاتور يريد دائماً ان يكون مواطنوه على قدراً كبيراً من تلك المثالية التي تبعدهم عن استخدام عقولهم؛ حتى تتشكل مع مرور الوقت على نفس نمط عقله؛ فيكونوا حينها على نفس القدر من الوطنية والمثالية التي يأملها فيهم كمواطنون صالحون يأدون ما عليهم من واجبات ولا يكترثون لما لهم من حقوق، في النهاية تظل أنت وحدك من تعكر صفو مثالية الجميع.
اننا في كثيرٍ من الأحيان بحاجة إلى أن نُترك للخطأ كي نستدل منه على الصواب، وأن نكون أشخاصاً طبيعين نتأرجح بين طرق الصواب والخطأ، نندم ونتعهد بالمضي بعيداً عن هذا الدرب ثم نعود للخطأ مرة أخرى، نحن بحاجة للتوقف عن تلك المثالية التي جعلتنا نظن أننا موحى إلينا من السماء، نحن بحاجة إلى أن تشير أصابعنا إلى ذواتنا قبل أن تشير على الأخرين لربما نغوص داخل أعماق أرواحنا التي تعفنت.
في النهاية أنا أعرف جيداً أننا سنختلف اصلاً في تعريف المثالية ومرجعيتها؛ ولكن ليس هذا بالأحرى ما قصدت الحديث عنه.
سلام.

يوليو۲۰۲۰
Back to Top