مع الذات
…تحياتي

في بعض الأحيان أشعر أن ما يمكن أن أكتبه عن نفسي ويري فيه الآخرون أنفسهم هو شيئاً جيداً يشعرني بالسعادة، أعلم جيداً أن لكلاً منا طريقته في التعبير عن ذاته وأن في هذا شيئاً من العدل؛ أقف مكتوف الأيدي أمام تلك اللحظات التي يتحتم علي فيها الحديث عن ما أشعر به وأتلعثم كثيراً وأعود إلى النظر إلى هاتفي مرات ومرات كي أسترق بعض العبارات التي أعددتها وأنا في طريقي للقاء أحدهم؛ بينما في تلك اللحظات يتحدث أحدهم عن مشاعره وعن ذاته بكل لباقة لأشعر حينها كم كنت بائساً في تلك اللحظة، ولكنني حين أعود إلى غرفتي أجد الأفكار والكلمات ترتطم برأسي لأجد نفسي أكتب عن ذاتي وتتقبل الكتابة تلعثمي وتمنحني الفرصة كي أمحو ما كتبت وأن أختار كلماتي بعناية؛ ليقرأ كلماتي لاحقاً أحد من يجيدون الحديث عن مشاعرهم ليشعر بسوء الحظ لكونه لا يجيد الكتابة عن ذاته؛ إنها دائرة مليئة بضيق الأفق ندور جميعاً بها.

كم مرة اعتقدت انها النهاية؟
مرات عديدة ظننت أنني لن أستطيع مواكبة الحياة بسبب الضعف -الجسدي والنفسي- الذي تمكن مني، ولكن تمر الأيام وأكتشف أن لدي ثمة قدرة على الاستمرار حتى وان كانت قدرة مُدعاه وليست حقيقية، مؤخراً أدركت أنه من الجيد أن أمضي قدماً نحو التغلب على تلك الأفكار والمشاعر التي اعتدت أن اُهزم منها، وكان لابد في البداية من التوقف عن لوم الذات من أجل الوصول إلى درجة من التصالح مع الذات بدلاً من الكراهية التي أعكسها على ذاتي، وكان لا بد أيضاً من الثقة الغير محدودة في الذات حتى يتسنى لي التوقف عن توقع الانتكاسات التي أظن أنها فقط أصبحت تحدث لأنني أتوقعها.

“العلاج النفسي بدون طبيب قد يأخذ وقتاً طويلاً؛ ولكنني أعتبر أنه وسيلة جيدة في بعض الأحيان لإدراك تفاصيل تلك الخيوط المعقدة عن الذات، أظن أن تلك المحفزات الخارجية قد تتدمر بفقدان الثقة أو فقدان المحفز ذاته.” هذا ما كتبته في محاولة للبحث عن حلول للخروج من هذا النفق؛ ومن ثم قررت ان أكون لنفسي هذا المحفز وأن أبدأ تلك الرحلة التي تحتاج إلى وقتاً طويلاً، من ضمن الأشياء التي كان لابد من وجودها في تلك المرحلة هي التوقف عن الميوعة التي أصبح لها نصيب في الكثير من الأشياء، سواء كانت نابعة من ذاتي ومن حيرتي أو من الآخرين؛ لذلك كان من الجيد التعامل بشكل تحليلي مع أصغر الأشياء من أجل الوصول إلى نتائج يغلب عليها الحسم.

أيضاً من الجيد بالنسبة لي في تلك الحالات أن أتوارى بعيداً عن الجميع؛ وأن أرى العالم وكأنني لا أراه، وأن أحاول أن لا أعرف شيئاً عن أي شئ وإن عرفت أدعي الجهل بما عرفت، أكترث فقط بروحي كي انتشلها من الانتكاسات التي تعيش بها؛ وهذا بالمناسبة ما قد يطلق عليه البعض الأنانية وكأنهم يريدونك في حياتهم كمانيكان يلبسونه ما يشاؤون دون اهتمام بما تشعر به.

لا أعرف لماذا يشتكي من حولنا طوال الوقت حين يصابون بالإنفلونزا ويتعاملون مع هذا المرض على أنه مرض طبيعي ولكنهم يتعاملون مع الأمراض والاضطرابات النفسية على أنها فضيحة يجب أن توارى بعيداً عن الأذان، التعامل مع من يتعرضون للأمراض والاضطرابات النفسية على أنهم مجموعة من المجانين أو الخارجين عن المجتمع هو كارثة ستصل بنا بعد عدة سنوات أن يكون الطريق الوحيد الذي يسلكه المريض للعلاج هو الانتحار -إن لم نكن وصلنا لذلك بالفعل- كي ينأى بنفسه أن يسمع سخافات البعض أو أن يرى منهم دعم أبله كأنهم يدللون طفلاً رضيعاً.

سبتمبر ٢٠١٩
Back to Top