هذا العالم

...تحياتي من العالم الكبير الذي لا يتسع لي ولكنه يضيق بمرور السنين

(ميلاد)
جئت صارخاً على غير طواعية مني، وسرعان ما امتلكني العالم ولكني لم أتملك منه شيئاً سوى الخضوع له؛ وكأنه هو الإله الحقيقي، أخبرتني أمي أن ولادتي كانت متعثرة؛ وشعرت أن ثمة شيئاً في كان رافضاً حينها أن يأتي إلى هذا العالم ولكن الساعات قد مرت ومرت إلى أن هزمتني لتوجدني هنا.

(بكاء)
لماذا تبكي أيها الصغير، وهن جسدك وصغره لا يتناسب مع صوت بكائك وصريخك، لماذا كل هذا النحيب وكأنك قد فقدت حياتك. أتخشى هذا العالم؟ لا تخشاه فهو لن يهزمك؛ فما هذا العالم سوى حضني ذا البراح الكبير لجسدك هذا الصغير، لا شئ يهم سوى راحتك وسكونك، أعلم أنه بمرور الشهور ستكون أنت من يبكي كي يترك هذا السكون ليخرج  لهذا العالم الذي تظن جهلاً أنه أكثر براحاً وأكثر سكوناً.

(حياة)
في البداية كنت أشعر أنني في مكان غير الذي اعتدت عليه في المراحل الأولى لروحي، لقد وجدتني فجأة فاقداً هذا السكون وبدا لي العالم بوجهه الموحش رغم أنني لم أخطو نحوه ولكنه تسلل بداخلي رغماً عني وكأن تلك الروح هي مبتغاه.

لقد بدا العالم لي وكأن الحب قد تجسد في شخصاً ما قد قتل، كنت أظن أن تلك الحياة قد مُنحت من اسمها نصيباً ولكن لم أجد في الحياة حياة.

العالم يصارعني من أجل بقاءه رغم أنني لم أرغب في البقاء فيه، لقد حاولت مراراً وتكرراً أن اقدم قرابيناً من الخوف والهزيمة لهذا العالم قد يقتنع أنني لست طرفاً في تلك المواجهة، ولكن تلك المحاولات دائماً كانت تنتهي دون أن يقتنع العالم بتلك الحقيقة.

العالم أكثر ضيقاً من رحم أمهاتنا رغم اتساعه المزيف، ندور في دائرة لا نتوقف نحن عن السير بها ولا تتوقف هي عن الدوران فلا ندرك منها سوى نفس الأشياء كل مرة.

(ذاكرة)
لم أعد أعرف اذا كان هذا العقل هو صديقاً يحاول أن يمنح جسدي شيئاً من الاتزان أم انه عدواً يحاول دائماً أن يتلاعب بي من خلال تلك الذكريات التي كنت أظن أنها والعدم سواء، أمراً غريباً أن يسيطر النسيان على أسماءاً وطرقاتاً قد حفظتها جيداً وأردت لها البقاء؛ ولكنه لا يقوى على ذكريات أتمنى مراراً وتكراراً أن ترحل عن عقلي. تلك الذاكرة تجعلني طوال الوقت أشعر أنني مطارداً وكلما أردت الفرار اُطرح ارضاً كي أظل عالقاً بين الحزن والفرح.

(موت)
أنت والعدم بالنسبة لي سواء، وكلما تمنيت وجودك أتذكر أنك لست بحاجة لتلك الأمنيات وتعرف جيداً متى وأين تأتي، كلما تمنيتك تذكرت أن ثمة أثاراً جانبية لتلك الحماقات التي قد ارتكبتها علي أن أتدراكها أولاً.

ربما أكتشف لاحقاً أنك كنت أجمل ما في هذا العالم، أعلم أن هناك الكثير من الغرابة أن أتواجد في عالماً على موعدٍ مع الانتهاء قريباً، ولكن ربما هذا هو الشئ الوحيد الذي يبعث بداخلي الطمأنينة، أن كل هذا العناء سيزول.

سبتمبر۲۰۲۰
Back to Top