صناعة الأفلام

المشهد الثاني
تحياتي في الجزء الثاني، تلك هي المرة الأولى تقريباً التي أكتب فيها عن صناعة الأفلام ولكن رغم ذلك ستكون نصوصاً شخصية تمثلني وربما تمثلك أو لا، يمكنك أن تنزعج من بعض الكلمات وربما تراها واقعية، في النهاية يهمني كثيراً أن أحكي الحكاية.
في مرحلة ما أدركت أن تلك الصناعة لم تعد مجرد هواية اُمارسها وقت فراغ أو شيئاً أفعله سهواً ولكنها وسيلة للتعبير عما يدور في داخل عقلي المزعج، ووسيلة لكسب المال كي تستمر حياتي على ظهر هذه الأرض، وتلك الأشياء جعلتني طوال الوقت في حاجة للتعامل بجدية مع صناعة الأفلام حيث أصبحنا غير قادرين عن التخلي عن بضعنا البعض -ولكن في الحقيقة صناعة الأفلام قادرة عن التخلي عني بينما أنا لا أقوى على ذلك ما دمت قادراً-.
صناعة الأفلام المستقلة في أسوء صورها ترتبط بالشخص أكثر من ارتباطها بالمشروع الفني، لذلك تكون المشاريع الفنية عرضة طوال الوقت للتوقف والانتهاء نظراً لأسباب شخصية مزاجية لا تتعلق بعائق فني حقيقي، في الأغلب يجمع صناع الأعمال صداقة تدفعهم للعمل سوياً وهم على علم تام بعدم حصولهم على المال مقابل عملهم، وقد يبدوا عنواناً حميمياً ولكنه مع الأسف في أغلب الوقت يكون سبباً في عدم احترام المشاريع وعدم الإلتزام في اتمامها، فبجانب الفن الذي نبحث عنه نحن نبحث أيضاً عن المال وهو ما يدفعنا دائماً لترك مشاريعنا المستقلة على أمل العودة لها لاحقاً ولكن هناك كثيرين عاشوا وماتوا على هذا الأمل ولم يعودوا.
نظراً لأن فكرة الخسارة المرتبطة بالمال في بعض الأحيان تكون سبيلاً للإلتزام تفتقد صناعة الأفلام المستقلة هذا الشئ لأننا في النهاية أقرب للشركاء ولكن تلك الشراكة تبدأ بدوافع وأحلام وتنتهي بنسيان وتمر الأشياء وتمر الفرص ويمر الوقت. حيث تعجز كثيراً وأنت تعمل على فيلم مستقل أن تعاقب أحداً على تقصيره أو على عدم احترامه للعمل. الصداقة بها الكثير من التحمل والصبر المتبادل ولكنها أشياءاً لا تستقيم مع العمل الذي من المفترض أن يقوم أكثر على الإلتزام.
تفتقر صناعة الأفلام المستقلة إلى النضج ومازلت تمضي أغلب وقتها في درب من دروب الصبيانية وتمضي وقتاً كثيراً في أحاديث ولقاءات جانبية لا تتعلق بصلب العمل نفسه ولكنها مجرد أحاديث طفولية لا تغير شيئاً، لقد كتبت مؤخراً أنني أعتذر لأي شخص صادف أن يكون قد عمل معي على مشروع فني ولم يكتمل أياً كان السبب، وتمنيت أن تخرج الصناعة المستقلة من مرحلة المراهقة وتكون صناعة أكثر نضجاً، لقد كنت حينها في لحظة مازلت مستمرة إلى الآن تتعلق بتقيمي لتلك التجربة وهذا الشعور ايضاً هو أحد الأسباب التي دفعتني لتلك الكتابات، لقد أدركت أن هناك الكثير من المشاريع التي عملت معها مع أخرين وأمضيت في اعدادها وقتاً ولكنها لم تكتمل ولم أحصد منها سوى عدت ملفات أعددتها واحتفظ بها بلا فائدة، وأدركت كذلك أنني توقفت عن إنجاز مشاريع لأسباب كان من الممكن أن أكون أكثر جدية للتعامل معها وحل مشاكلها بدلاً من التوقف.
لقد كرهت مؤخراً الحديث عن المشاريع وجلسات الفنانين التي ندعي فيها أننا سنقوم بتنفيذ مشاريع نتعاون فيها ولكن ينتهي أمر تلك المشاريع سريعاً ربما بعد دفع ثمن المشاريب والرحيل من تلك الجلسة، لقد أصبحنا نتحدث عن الفن بقدراً لا يتساوى مع ممارستنا له، وهناك نسخة من الفنان المُدعي كثير الشكوى وكثير الحديث عن نجاحات الأخرين ولا اُريد لنفسي أن أكون كنسخة هذا الفنان.
أظن أن أحدهم يقرأ الآن وقد انزعج من كثرة حديثي لذلك دعنا نستكمل في النص القادم.
ديسمبر ۲۰۲۰
Back to Top