سلام

سلامٌ عليكم طبتم إذا كنتم حقاً باحثين عن هذا السلام الذي فقده العالم شيئاً فشيئاً حتى أصبحنا حائرين لا نعرف أين نحن وإلى أين.
ما أبحث عنه في هذا العالم هو السلام الذي يجعلني قادراً على أن أتنفس بلا خوف وبلا ألم، لقد فقدت ثقتي في هذا العالم حتى بات بالنسبة لي لا شئ، ولكن في الحقيقة هو كل شئ ما دمت غير قادراً على أن أعرف من أنا حقاً وتختلف مشاعري تجاه نفس الأشياء سريعاً وكأنني بلا ذاكرة واتعرف على كل الأشياء من جديد في كل مرة فأحبها تارة وأكرهها تارة أخرى.
في سنين عمري الأولى لم أكن أعرف شيئاً عن هذا الإله الذي أعبده سوى ما قيل عنه وليس ما قاله عن نفسه، شيئاً شديد الرعب أن تجد نفسك لا تحمل شيئاً من الحب لمن أوجدك وفقط تحمل له خوفاً، منذ عدة أشهر في إحدى المواصلات العامة دفعني حديث أحدهم لي لنزع سماعات الأذن ليصافحني وينصحني في استغلال وقت المواصلات للاستغفار والتقرب إلى الله؛ في حقيقة الأمر اُحب أن أمنح صاحبي تلك المبادرات وغيرها مساحة من الوقت للتعبير عما بداخلهم لربما يشعروا بعدها بشيئاً من الرضى وربما أسمع منهم شيئاً ذات قيمة وربما أيضاً لأن بداخلي الكثير من الفضول الدائم لمعرفة قصص الأخرين، تركته يتحدث فيما نوى الحديث عنه حتى بدأ في الحديث عن أنه كان في يوماً من الأيام يخطو خطاي حتى تاب إلى الله؛ فقررت حينها مقاطعته لأنه بالفعل لا يعرفني حتى يضعني في هذا الخندق الذي افترضه لي؛ ليعتذر بعدها عن ذلك ثم يكمل حديثه لاقرر بعدها مقاطعته مرة أخرى حين جعل من عقله وعقلي عضواً لا يجب أن نستخدمه تجاه أيات القرآن وكأننا خلقنا على يد ديكتاتور لا يريد منا الفهم.
في الحقيقة أنا لا أعرف من فرض علي هذا الخوف من الإله الذي أود كثيراً أن أخشاه لا أخافه فالخوف بالنسبة لي يكون من العذاب والأذى الذي يصدر ممن نحب لا الخوف من الحبيب نفسه، إننا نتربى على عبادة إله غير هذا الذي من المفترض اننا نعبده، إن تلك التربية المشوشة التي نتلقاها إما بالشدة المفرطة أو اللين المُخيب تجعلنا أشخاص معدومي العقل، اننا نتوارث إيماناً لا يجب أن يورث لأننا الأن أصبحنا نؤمن بأشياءاً لا نعرفها ونكفر بأشياءاً لا نعرفها أيضاً وهذا أمر غريب زالت غرابته مع الزمن حتى أصبح هذا هو الطبيعي.
لقد مرت أعواماً عديدة على وجودي في هذا العالم ومازلت لا اُدرك ماهية الأشياء فيه ولا أستطيع إدراك ما يحدث ولماذا وكيف يحدث، شيئاً يجعلني أشعر وكأنني من فتية الكهف؛ ولكن يبدو أنني لن أنجو مثلهم، يبدو أن كل ما يحدث هو منطقياً في حياة قد بدأت على الأرض بسبب ارتكاب خطئاً مقدراً من وجهة نظري.
عودة إلى السلام الذي بدأت هذا النص للحديث عنه ويبدو أنه قد تاه عني كي أكتبه كما هو تائه عني في هذه الحياة، في الحقيقة أنا أحتاج إلى هذا السلام الذي يجعلني قادراً على العيش في حياة تبعد كل البعد عن الصراعات التي باتت جزءاً من أيامنا وكأن العالم لا يسير بغيرها، أنا بحاجة للسلام كي أتنفس بلا خوف وبلا ألم وأغمض عيني عن الحياة لأغوص في نفسي وادرك من حقاً أكون، إنني أحتاج إلى من أسمى نفسه السلام ليدلني على سلامه.
دمتم سالمين.

أبريل ۲۰۲۰
Back to Top