أنا والأفلام
علاقتي بمشاريع الأفلام الوثائقية التي أقوم بالعمل عليها هي علاقة لها تأثيراً نفسياً كبيراً يأخذني نحو عالم لا أعرف كيفية الخروج منه، بدءاً من اليوم الأول لكتابة الفكرة حتى آخر تعديل أثناء مرحلة المونتاج، في الحقيقة أنا أغرق كثيراً في مشاعر من أصورهم وأتورط كثيراً في كل كلمة يقولونها أو يحاولون إخفاءها أمام الكاميرا، أشعر أحياناً أنني طبيبهم النفسي الذي يشعر دائماً بكم هائل من المسؤولية تجاه كل كلمة يقولها مرضاه -رغم أنني الأكثر احتياجاً لهذا الطبيب النفسي-.
أتقبل دائماً القلق المصاحب لكل مشروعاً فنياً وأراه منطقياً ولا أحاول طمسه ولكنني أسعى فقط لاخفائه عن المحيطين حتى لا أكون مصدراً لإخفاقهم ولكوني دائماً اكون في موقعاً داعماً لهم وواثقاً في قدراتهم الفنية، ولكنني أرى أن هذا القدر القليل من القلق يجعلني أتأكد أنني لم أتورط في عملٍ مؤسسيٍ كموظف حكومي يمكنه وضع ختماً على ورقة على مدار سنوات عمله ولا يعبأ بأي شيء، لذلك دائماً أعتبر هذا القدر البسيط من القلق هو علامة على المضي في تجربة جديدة ويملؤني تجاهها الحماس والقلق.
لا أحب كثيراً الحديث عن المشاريع قبل أن تنتهي وأتوتر كثيراً حين يسألني احدهم سؤالاً يتعلق بما أعمل عليه الآن، لأن الخطط والظروف تتبدل كثيراً ولا أحب التورط في الحديث عن غداً لا أعرف له سبيلاً، ولكنني أشعر بالقلق تجاه الفيلم القادم ورغم طول مدة التحضير التي أعتبرها جزءاً من العمل في المشاريع الوثائقية لكنني أشعر بالقلق كلما أقترب يوم التصوير افكر كثيراً في كل لقطة وفي كل سؤال سوف أطرحه ولا أعرف كيف سأواجه نفسي بالحديث عن تلك المشاعر التي دائماً أتهرب منها رغم أنها تذكرني بها من حين لآخر، أتمنى خروج الفيلم للنور بينما أخشى كثيراً أن يتم إنجاز تصويره لأجلس بعدها مُنفرداً أمام جهاز الكمبيوتر اُعيد السماع والشعور بتلك الكلمات مرات ومرات حتى اختار ما سيشاهده الجمهور وما سأحتفظ به لنفسي في تلك العملية الانتقائية المتكررة مع كل عملاً وثائقياً ويصعب علي حينها اختيار الكلمات وتفضيل بعضها على بعض.
في بعض الأحيان حين تتورط كثيراً مع تلك المشاعر تتمنى لو كنت موظفاً حكومياً علاقته بالفن تتوقف عند حد مشاهدة الأفلام على المائدة ولا يتذكر منها شيئاً سوى الفواصل الإعلانية المتكررة بالإضافة إلى رقصة شهيرة على مهرجان يتورط في سماعه يومياً في الميكروباص الذي يأخذه إلى عمله.
يونيو ٢٠٢٢